دكتور جمال مصطفى: أيقونة الشرف والسياسة والإنسانية
وُلد الدكتور جمال مصطفى في قرية صغيرة على ضفاف نهر دجلة شمال بغداد، حيث طفولته كانت لوحةً زاهية تتراقص الوانها، بين الرياضة ومغامرات الصيد. بين ركلات كرة القدم الحالمة، وولعه بالخيول، وسباحته في مياه النهر العذبة، تشكلت ملامح شخصيته الاجتماعية الشغوفة بالعمل الجماعي. لم تكن رحلات الصيد في براري الجزيرة الواسعة مجرد مغامرات، بل كانت مدرسةً علمته معنى الصبر والانضباط، وزرعت في قلبه حب الطبيعة والانتماء إلى الأرض. تلك البيئة البسيطة غرست فيه قيم البداوة الأصيلة، وقيم الفروسية العربية التي تتجلى في الشجاعة والبسالة، فضلاً عن الشرف والصبر والإصرار على تحقيق الأهداف، دون أن ينسى أبداً قيمة مساعدة الآخرين.
في مدارس قريته، برز الدكتور جمال بذكائه الحاد واجتهاده، ليكمل دراسته الثانوية بتفوق لافت. لم يكن العلم هو شغفه الوحيد، فقد كان أيضاً رئيساً لأحد أبرز أندية كرة القدم المحلية، حيث قاد فريقه بروح قيادية فذة.
لكن مع بداية ثمانينيات القرن الماضي، وأصوات الحرب العراقية الإيرانية تدقّ ناقوس الخطر، قرر الانضمام إلى السلك العسكري، ليكون جزءاً من جهاز الأمن الخاص. ومع ذلك، لم يمنعه انخراطه في المجال العسكري من مواصلة مسيرته التعليمية، حيث واصل دراسة العلوم السياسية في جامعة بغداد، ليحصل على درجة الماجستير، ثم الدكتوراه في العلوم السياسية، محققاً بذلك إنجازاً أكاديمياً لافتاً.
بعد حصوله على الدكتوراه، انطلق الدكتور جمال في مجال التدريس، حيث أصبح أستاذاً في إحدى أبرز الجامعات العراقية. لم يكن دوره مقتصراً على نقل المعرفة الأكاديمية فحسب، بل كان مرشداً لأخلاقيات العمل السياسي، ومعلماً لقيم النزاهة والعدالة. طلابه، الذين أصبحوا لاحقاً من أبرز الشخصيات السياسية في العراق، كانوا يشهدون بأنه كان أكثر من مجرد أستاذ؛ كان قدوةً وملهماً. على الصعيد العسكري، تدرج الدكتور جمال في المناصب حتى وصل إلى منصب السكرتير الثاني لرئيس الجمهورية العراقية. في هذا المنصب الحساس، تولى مهام أمنية وسياسية بالغة الأهمية، حيث كان مسؤولاً عن مرافقة رئيس الجمهورية , ثم تولى مهمة إدارة شؤون شكاوى المواطنين. هنا، أصبح حلقة الوصل بين المواطنين البسطاء وأعلى القيادات العراقية، بما في ذلك الوزراء والمدراء العامين. تعلم خلال هذه الفترة السياسة الحقيقية , كيف يدير الحوار مع كبار المسؤولين، ونصرت المظلوم وتحقيق العدل بكل حكمة واتزان.
ثم كُلف بمسؤولية إدارة شؤون عشائر العراق، وهي مهمةٌ نجح فيها مرة أخرى بامتياز. من خلال هذا المنصب، تعمقت معرفته بتركيبة المجتمع العراقي المعقدة، وبنى علاقات قوية مع شيوخ العشائر والعائلات العراقية العريقة، ليس فقط على مستوى العراق، بل على مستوى المنطقة العربية بأكملها. هذه الخبرة جعلته شخصيةً محوريةً في تعزيز الوحدة الوطنية وإدارة الحوارات بين مكونات المجتمع العراقي المتنوعة.
إضافة إلى ذلك، كان قد اكتسب الدكتور جمال مصطفى معرفة واسعة بكل منتسبي السلك العسكري، من جهاز الأمن الخاص إلى جهاز المخابرات العامة والجيش، مما جعله شخصيةً مؤثرةً في الأوساط الأمنية والعسكرية. كما تلقى تدريباً مكثفاً على يد أفضل الخبراء في فنون الاتكيت السياسي والثقافة العربية، مما جعله دبلوماسياً بارعاً، قادراً على استقبال الوفود الدولية وتمثيل العراق في المحافل الدولية بأعلى درجات الاحتراف.